إننا نعيش بل نسبح فى عالم من الإشارات التى نتعامل معها دائما، فهناك إشارات لاسلكية مثل إشارات الراديو والتليفزيون والتليفون المحمول والشبكات اللاسلكية والإشارات المنبعثة من خطوط القدرة، وإشارات سلكية مثل إشارة التليفون وشبكة الحاسب السلكية، وأنواع أخرى كثيرة من الإشارات مثل إشارة راسم القلب الإلكترونى، وراسم المخ، وراسم العضلات، وأجهزة التصوير الطبية المختلفة، وإشارت التراسل مع الأقمار الصناعية خارج نطاق الأرض، وإشارات التحكم عن بعد فى الكثير من الأجهزة، كل هذه إشارات تتولد ضعيفة مخلوطة بالكثير من الضوضاء والإشارات الأخرى الغير مرغوب فيها، ولكى تتم الاستفادة من هذه الإشارات ونستطيع التعامل معها لابد من معالجتها وتهيأتها فى صورة مناسبة، وهذا هو الدور الأساسى لعلم معالجة الإشارات. أى أن علم معالجة الإشارات هو العلم الذى يقدم لنا الطرق المختلفة لتهيئة أى إشارة وجعلها فى الصورة المناسبة للتعامل معها. هذا العلم بدأ مع بدايات القرن الماضى، وبالطبع لم تكن الحاسبات فى هذا الوقت قد عرفت ولا كانت فى الحسبان، ولذلك كانت الإشارات كلها من النوع التماثلى أو الانسيابى، وكانت طرق المعالجة من النوع التماثلى أو الانسيابى أيضا.
ظل الوضع كذلك إلى أن ظهرت الحاسبات فى بداية سبعينيات هذا القرن وحدث ما يشبه الثورة فى مجال الحاسبات والمعالجات الدقيقة، وبالطبع فقد تركت هذه الثورة آثارها على شتى العلوم ومنها علم معالجة الإشارات حيث تحولت الإشارات التناظرية إلى إشارات رقمية وتحولت معها طرق المعالجة إلى طرق رقمية يتم إجراؤها إما باستخدام حاسب، أو شريحة إلكترونية، وحدثت ثورة موازية فى علم معالجة الإشارات الرقمية ظهرت معها طرقا وخواريزمات جديدة كانت مجرد خيال، أو حتى نظريات على الورق وكتب لها الظهور بفضل ثورة الحاسبات. هذه الثورة فى علم المعالجة الرقمية للإشارات جعلته يدخل بل ويصبح أداة مهمة فى شتى تطبيقات ومجالات التعامل مع الإشارات مهما كانت هذه الإشارات، فغالبا لن تجد جهازا يستخدم الآن إلا وبداخله معالج للإشارة. مما يعكس هذه الأهمية لهذا العلم أنه أصبح أساسيا فى شتى التخصصات الهندسية سواء كانت تخصصات الإلكترونيات أو الاتصالات أو الآلات الكهربية أو حتى القوى الكهربية بل والتخصصصات الميكانيكية والجيولوجية وغيرها، أصبحت كلها تهتم بدراسة هذا العلم لما له من أهمية فى دراسة الضوضاء التى تسببها أى آلة، ودراسة توازن هذه الآلة واهتزازها عند ظروف التشغيل المختلفة مثلا.
إن علم المعالجة الرقمية للإشارت بدأ تدريسه لطلاب الدراسات العليا فقط فى تخصصات الإلكترونيات والاتصالات، وهو الآن من العلوم الأساسية لطلاب البكالوريوس فى التخصصات الإلكترونية وطلاب الدراسات العليا بل وربما طلاب البكالوريوس أيضا فى باقى التخصصات الهندسية مثل تخصصات الكهرباء والميكانيكا والهندسة الطبية.
هذا المقرر يمكن تدريسه فى فصل دراسى واحد 3 ساعات أسبوعيا للمحاضرة وساعتان للتمارين. ولابد من دراسة مقرر فى الرياضيات خاص بالتفاضل والتكامل وحل المعادلات التفاضلية من الدرجات المختلفة والتعامل مع الكميات التخيلية قبل الدخول فى دراسة هذا المقرر. من الضرورى أيضا أن يكون الطالب ملما أو تدرب على برنامج الماتلاب MATLAB كلغة برمجة ولغة تطبيقية فى هذا المجال حيث يحتوى الماتلاب على صندوق أدوات tool box خاص بالمعالجة الرقمية للإشارات ويحتوى هذا الصندوق على الكثير من الدوال والأدوات التى تساعد فى تصميم الكثير من الخواريزمات الضرورية فى هذا المجال مما جعلنا نعتمد هذه اللغة كلغة البرمجة والتطبيق فى هذا المقرر.
لقد بدأنا هذا الكتاب بالفصل الأول وهو مقدمة عن موضوع المعالجة الرقمية للإشارات حيث عرفنا فيه المقصود بالإشارة وما هى الإشارة الرقمية وما هى فائدة التعامل مع الإشارات الرقمية بالذات حتى أن الإشارة التناظرية يتم تحويلها إلى الصورة الرقمية، ثم معالجتها بطرق رقمية على حاسب أو شريحة، ثم إعادتها مرة ثانية إلى الصورة التناظرية. الفصل الثانى يقدم الطرق المختلفة لتحويل الإشارة من الصورة التناظرية إلى الصورة الرقمية ويشرح نظرية العيننة أو التقطيع sampling theory التى تعتبر من النظريات المهمة التى يجب تحقيقها عند تحويل أى إشارة من النطاق الزمنى إلى النطاق الترددى وقد تم شرح هذه النظرية شرحا مبسطا يمكن القارىء من فهمها. فى الفصل الثالث تم تعريف الإشارة الرقمية مع عرض أمثلة على بعض هذه الإشارات الشائعة الاستخدام مع عرض لتصنيفات كثيرة لهذه الإشارات من حيث الدورية والتشابه حول نقطة الأصل والطاقة لأى إشارة والعمليات الحسابية المختلفة التى يمكن إجراؤها على الإشارات الرقمية، بعد ذلك تم تعريف الأنظمة الرقمية وخواصها من حيث الخطية والاستقرار وغير ذلك من الخواص، كما تم شرح كيفية الربط بين خرج النظام ودخله والعلاقة بينهما بأكثر من طريقة.
الفصل الرابع يشرح بالتفصيل تحويل Z كتحويل أساسى لنقل الإشارة إلى نطاق آخر يسهل معه التعامل مع الإشارات بطرق أسهل وهو يكافىء تحويل لابلاس فى حالة التعامل مع الإشارات التماثلية أو التناظرية. تحويل فورير كان هو موضوع الفصل الخامس وهذا التحويل أساسى فى تحويل أى إشارة من النطاق الزمنى إلى النطاق الترددى والعكس وذلك لدراسة الاستجابة الترددية لأى نظام، ولقد تم شرح كل ما يتعلق بهذا الموضوع من حيث تتابع فورير وتحويل فورير والفرق بينهما وذلك للإشارات التناظربة والرقمية، وختم الفصل بشرح مفصل لخواريزم تحويل فورير السريع. الفصل السادس تم فيه شرح المرشحات التناظرية وكان ذلك لأن بعض طرق تصميم المرشحات الرقمية تعتمد على المرشحات التناظرية، لذلك كان من الضرورى مراجعة هذا النوع من المرشحات. هناك صنفان من المرشحات الرقمية ، إما المرشحات ذات الاستجابة الاندفاعية اللانهائية IIR أو المرشحات ذات الاستجابة الاندفاعية المحدودة FIR. النوع الأول من المرشحات كان هو موضوع الفصل السابع حيث تم فى هذا الفصل شرح أكثر من طريقة لتصميم هذا النوع من المرشحات. الفصل الثامن تناول الطرق المختلفة لتصميم المرشحات من النوع الثانى FIR. لبناء المرشحات التناظرية نستخدم المقاومات والمكثفات، ولبناء المرشحات الرقمية نستخدم دوائر الجمع والإزاحة والتأجيل أو التأخير. الفصل التاسع يقدم بعض الطرق لبناء المرشحات الرقمية. فى النهاية كان لابد من ذكر بعض التطبيقات التى تستخدم فيها تقنيات المعالجة الرقمية للإشارات وهذه التطبيقات لا حصر لها ولكننا اخترنا المعالجة الرقمية للصوت والذى كان موضوع الفصل العاشر حيث تم استعراض بعض التقنيات المستخدمة فى ذلك حيث أن هذا الموضوع تفرد له الكتب والمراجع ولكننا استعرضناه هنا سريعا لنقدمه للقارىء فقط ونترك له حرية الاستزادة من هذا الموضوع إن أراد. الفصل الحادى عشر استعرض أيضا بطريقة سريعة موضوع المعالجة الرقمية للصور بنفس طريقة الفصل العاشر حيث أن هذا الموضوع أيضا تفرد له الكتب والمراجع العديدة لاستيعابه.
هذا الكتاب يعتبر مقدمة لموضوع المعالجة الرقمية للإشارات ويجب أن يلحقه كتاب آخر يتم فيه شرح بعض التقنيات المتقدمة مثل المرشحات المهايئة adaptive filters والدخول بعمق أكثر فى التحليل الطيفى للإشارات spectrum analysis والإشارات العشوائية random signals وكذلك موضوع معالجة الإشارات الرقمية فى الزمن الحقيقى real time digital signal processing.
فى النهاية فإن هذه محاولة للكتابة أو التأليف باللغة العربية فى موضوع تقنى يعتبر من الموضوعات التى تندر فيها المؤلفات باللغة العربية. لذلك نرجوا أن تعم الفائدة من هذا المجهود وأن يحذوا جميع المتخصصين حذونا فى ذلك وأن يخوضوا مثل هذه التجربة حتى تمتلىء المكتبة العربية بالمؤلفات العلمية العربية حتى لا تكون اللغة حاجزا بين الناطقين باللغة العربية وبين العلوم الحديثة.
تحميل الكتاب
https://drive.google.com/open?id=1CO7o95AC5crVhggXJI25nQfHzGeGAhu1
رابط من مدونة م. هشام محمد العدوي